لغتي هويتي ... بقلم : masi_20

قال تعالى: (( إنا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون)) , اللغة الأم هي أصدق تعبير عن اللغة التي تنشأ لدى الطفل في سنينه الأولى , فكلمة الأم هنا تحمل من المعاني والدلالات ما يجعل من اللغة رحما تولد فيه الذات وتتكون به وتشعر وتفكر , فالعلاقة بيننا وبين اللغة كالعلاقة بيننا وبين الأم وما تستوجبه من البر والصلة . فما فضل لغتنا العربية ؟ وما المكانة السامية التي تتربع على عرشها لغتنا ؟

بداية هي اللغة التي نقشت فيها أحرف كتاب الله تعالى ونزل بها من عند رب العالمين كما أنها لغة رسولنا الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام, فضلا عن كونها أداة أهل الجنة للتواصل والتخاطب. لم تقتصر أهمية لغتنا على المكانة الدينية بل كان لمكانتها الإجتماعية والقومية دور كبير فهي لغة التواصل بين الكثير من الشعوب , وهي لغة حضارات عريقة و شعوب أصيلة , فمنذ عصور الإسلام الأولى انتشرت العربية انتشارا واسعا فأصبحت لغة العلم و الأدب والسياسة والحضارة فضلا عن كونها لغة الدين والعبادة . ولا يفوتنا أنها من أهم مقومات الوحدة بين المجتمعات , وهذا يستوجب لها أن تكون لغة عالمية .

مع كل هذا المنطق و هذه الروعة لماذا ذوت اللغة العربية عن الحضور العالمي وإن أصبحت في ظل عولمة تتحدث الإنجليزية ؟ لماذا أهملت من قبل أبنائها؟ حتى باتت تندب حظها , وتنادي نفسها تحتسب حياتها ووشوكها على الإنتهاء . فلماذا بعثرنا حروف لغتنا العربية وأهملناها كي نستبدلها بأخرى أجنبية ؟ لقد غدت التحديات التي تواجه لغتنا في زيادة مستمرة فقد غاب عنا سحرها الفريد ومنطقها البارز وأصلها المجيد . لقد نسينا بل تناسيا عراقتها وجمال أبجديتها , فغدونا نطالب بتنحيها عن منصبها وعرشها ونرشح بدلا منها لغات ما هي إلا حبات رمل على شواطئ لغتنا وأسماك صغيرة في بحور مصطلحاتها . إننا نسقط لغة الضاد ونهجرها ونحن غافلون . فوا أسفاه على لغة أهملت بعد ما سادت حضارات فلم نكتف بنسيانها وإهمالها بل بتنا نحرف فيها ونغير من قواعدها و أصولها فقلبنا النحو الإعراب , وغيرنا الحركات ونسينا البلاغة بل و في أخطائنا فيها كان لنا إطناب , و خلطنا بحور الشعر فمزجناها بأمواج من العامية وصرنا نرتكب أبسط الأخطاء في المسميات العربية فلافتات المحلات باتت تشهد على خيبتنا تجاه لغتنا .

وكل هذا كان لأننا نظن بأن أهل الحضارة هم الغرب , ندعي أنهم صناع الحضارة , نعتقد أن معنى الحضارة تغريب للثقافة , و نجعل الرجعية والتخلف بمثابة كساء نكسي به لغتنا وحجة تبرر لنا هجرنا للغتنا . إن بين العرب والغرب نقطة أبجديا لكن واقعيا هناك فرق في بئر نقاط وبحر حكايات فلغتنا هي أصل حضارتنا وحضارتنا أصل الحياة . ومولد العلم كان لدى العرب واللغة العربية كانت مهدا لكل عالم قبل هجرته للغرب , وهي أم لكل شاعر وأديب, هي مرجع لكل متعلم. لكننا غفلنا عن الأصل والمنبع وجذبنا نحو الفروع, فأغرتنا المظاهر الغداعة.

لقد آن الأوان لنا أن نصحو ونفيق من غفلتنا لنعيد للغتنا مجدها وعزها و ننجد حروفها من الضياع و مصطلحاتها من النسيان والتحريف , ان الأوان أن نوجز من أخطائنا في لغتنا و نطنب في الإهتمام في هذه اللغة العظيمة فهي لغة تستحق الرسوخ في الذاكرة والثبات عبر الأمم والأجيال . فلنكن نحن المتبوع والغرب هم التابع , فلتكن لغتنا هي المنعوت ولغاتهم النعت , فليتبعونا ويقلدونا هم لا أن ننجرف نحن لهم .ولنعيد لغتنا ملكة على لغات العالم تتربع على عرشها نباهي بها الأمم بدلا من إخفائها ونسيانها وكأنها عار يشيم كياننا . فلنحفظ لغة قراننا ونحافظ عليها كي يحفظنا رب العالمين فهي من سيجعلنا نرتق بين الأمم و نتقدم , ولنجعل من " لغتي هويتي" شعار لا يقتصر على كونه كلمات نرددها بدون تطبيق بل دعونا نختمه على عقولنا ونحفره في أفئدتنا و نعكسه على أفعالنا تجاه لغتنا .

يا عربية قالوا وادعوا ويقولون عنك لكن ذلك لن يغير من شموخك ولن يبدل في جمالك وسحر روعتك , فمهما هبت عليك ريح أجنبية ستبقين أنت في الصدارة ومهما زادت تحدياتك مع مر الزمان ستبقين لغة الأمجاد , لغة للإسف لم يقدر أبناؤها قيمتها لكن سحرها ملأ الأكوان وعم في كل زمان ومكان .